-

سورة الأعلى تفسيرها وفضلها وسبب نزولها

(اخر تعديل 2024-09-09 07:30:13 )
بواسطة

سورة الأعلى هي إحدى سور القرآن الكريم، تتألف من 19 آية وتمتاز بمضمونها القيم والمواعظ النافعة. تفتح السورة بدعوة لتسبيح اسم الله الأعلى، مع التأكيد على أهمية العبادة والتقرب إليه. تتناول السورة أيضًا معاني الإيمان والتزكية النفسية، مع تذكير المؤمنين بأهمية اختيار الحياة الآخرة على الدنيا. تعتبر سورة الأعلى مصدرًا للتأمل والتفكر في عظمة الله وفضل العبادة.

معلومات عن سورة الأعلى

بعد انتهاء من سورة “الطارق”، التي تحتوي على تهديد للمشركين وحماية للنبي – صلى الله عليه وسلم -، تأتي سورة “الأعلى” مع بداية “سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى”، داعية إلى تمجيد الله وتعظيمه. يتبع هذا الاستفتاح بتوجيه للظالمين وإلغاء كيدهم، مما يعكس الاستمرارية والتناغم بين السورتين في السياق والمعنى.

تعتبر صفة العلو من أهم الصفات المثبتة لله عز وجل، ويُعتبر سورة الأعلى من السور التي تثبت هذه الصفة بشكل واضح ومحكم. تتميز هذه السورة بتأكيد العلو والقدرة والسيطرة لله تعالى، وتدعو إلى التمسك بالإيمان والتوحيد. إنها دعوة للقلوب للانتماء لخالقها والانقياد له، وترك العبادات المخلوقة والتمسك بالدين الحق.

تختص السورة باسم “الأعلى”، الذي يعبر عن الله المتفرد بالعلو المطلق، حيث لا يوجد شيء أعلى منه. ويشير الأمر بالسبح إلى اللجوء إلى الذكر الإلهي في الالتزام بالأوامر والنواهي. فمن يتصل بالله العلي الأعلى ينال النجاح والتوفيق في حياته.

تفسير سورة الأعلى باختصار

بآية “سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى“، تتضح أهمية التسبيح والتمجيد لله، حيث يعكس هذا التصريح التوحيدية العظيمة، مؤكداً على أسماءه وصفاته السماوية. يجمع الآية بين صفة الربوبية والعلو، مما يؤكد على عظمة الله وسيادته. يشجع النص على التسبيح والانقياد لعظمته، ويظهر أن الانقطاع إلى الله هو أسمى درجات الجلالة والسعادة. استعلاء الإيمان هو طلب العلو والرفعة، وهو يتحقق من خلال التذكر والتفكر في ذكر الله، مما يجلب الاطمئنان والغلبة على التحديات بإرادة قوية.

﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ٢ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ٣﴾

الله الذي خلق كل شيء وسواه، مكملًا صنعته بالتفصيل والتدبير، محققًا أقصى درجات الكمال التي تناسبه. وهو الذي قسم لكل مخلوق وظيفته وغايته، وهداه إلى ما يخلق لأجله، وأوحى له بغاية وجوده، وقدر له مدة بقائه وألهمه بالأمل فيها، وهداه إليها أيضًا.

﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ٤ فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ٥﴾

وهو الذي أخرج النباتات والمرعى، حيث ينبت أولاً خضراء، ثم يذوي ويتحول إلى غثاء. ومن الممكن أن يكون مناسبًا للأكل وهو خضراء، ويمكن أن يصلح للأكل وهو غثاء أسود. هذه الإشارة تلمح إلى حقيقة أن كل مخلوق ينتهي إلى نهايته، تمامًا كما يحدث مع النباتات، حيث يتحول إلى غثاء، بينما تبقى الآخرة للحياة الدائمة.

﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ٦﴾إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلۡيُسۡرَىٰ (8)

بدأت البشارة بتحميل عبء الحفظ لهذا القرآن والاجتهاد في الاحتفاظ به على عاتق الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يقوم بالقراءة ويأخذها مباشرة من ربه، وربه هو الذي يكون متكفلًا بقلبه بعد ذلك، لذا لا ينسى ما يتلقاه من ربه. وهذه البشارة موجهة لأمته من وراءه، مطمئنة إلى أصل هذه العقيدة، فهي من الله، والله هو من يحميها ويحافظ عليها في قلب نبيه. وهذا يعتبر من رعاية الله سبحانه وتفضيل هذا الدين، وعظمة هذا الأمر في ميزانه.

﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ٩﴾سَيَذَّكَّرُ مَن يَخۡشَىٰ (10)

فذكر إن نفعت الذكرى دائمًا، ولن تخلو أرض ولن تخلو جيل من من يستمع وينتفع بها، مهما افتسد الناس وتصلبت قلوبهم وألفت عليها الحجاب.

قد يفهم بعض الناس هذه الآية في البداية بشكل خاطئ، فيقول: إن نصائحي لم تفد ولم تأت بخير، أو يقول: لقد نصحت فلانًا خمسين مرة ولكنه لم يستفد. ثم يتوقف عن إعطاء النصائح والإرشاد لمن هو مسؤول عنهم. ويعتقد بأن الآية جعلت الاستمرار في التذكير مشروطًا باستجابة الناس وانتفاعهم به.

ولكن الحقيقة المعبر عنها في هذه الآية هي حقيقة مغايرة تمامًا لهذا الفهم. إنها تعلم كل من يكون مسؤولًا عن التذكير والإرشاد والنصح (كلٌّ بحسب موقعه في المجتمع) أن يقوم بواجبه تجاه من هو مسؤول عنهم. وتقول له: إن كان تذكيرك صحيحًا ومفيدًا في حد ذاته فداوم عليه. إذًا لا تفيد الآية التقييد، بل تؤكد هذه المهمة وهذا التكليف.

(وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى (11) ٱلَّذِي يَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ (13)

يتجنب الشخص الأشقى الذكرى، فلا ينصت لها ولا يستفيد منها، وبذلك يكون الأشقى في الدنيا بروحه الخاوية والميتة، التي لا تدرك حقائق الوجود ولا تسمع شهادتها الصادقة.

قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (14) وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ (15)

من يتطهر من كل رجس ودنس، ويذكر اسم ربه ويصلي، فقد أفلح في دنياه، وعاش متصلاً بالله، وشاعرًا بحلاوة الذكر وإيناسه، وأفلح في آخرته، فنجا من النار الكبرى، وفاز بالنعيم والرضا.

بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا (16) وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ (17)

إن إعطاء الأولوية للحياة الدنيا هو سبب كل بلاء، فهو يولِّد الإعراض عن الذكرى، لأنه يجعلهم يفضلون الدنيا على الآخرة، ورغبتهم في الدنيا تجعلهم يتجنبون الذكرى. والدنيا تسمى الدنيا لأنها هابطة وعابرة وعاجلة، بينما الآخرة خير وأبقى في نوعها وأمدها. وفي ظل هذه الحقيقة، يظهر إعطاء الأولوية للدنيا على الآخرة كحماقة وسوء تقدير لا يقدم عليهما عاقل بصير.

إِنَّ هَٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ (18) صُحُفِ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ (19)

إن الوحدة في الحق والعقيدة والمشيئة هي التي دفعت بعثة الرسل إلى البشر، إنه حق واحد يرجع إلى أصل واحد، وتختلف تفاصيله بحسب الحاجات والأطوار، ولكنها تلتقي عند الأصل الواحد الذي ينبع من مصدر واحد هو ربك الأعلى الذي خلق وسوى والذي قدر وهدى.

فضل سورة الأعلى وقراءتها

أهل العلم ذكروا العديد من الأحاديث التي تتحدث عن فضل سورة الأعلى، منها اختصاص الرسول صلى الله عليه وسلم بقراءتها في صلوات معينة مثل صلاة الجمعة، وصلاة العيدين، وصلاة الظهر، وركعة الوتر. ولكن لم يرد سوى عدد قليل من الأحاديث الصحيحة في فضلها. ومن هذه الأحاديث الصحيحة:

  • عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “اجعلوا سورة الأعلى في ركوعكم” عندما نزلت الآية “فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ”، وقال: “اجعلوها في سجودكم” عندما نزلت الآية “سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى”.
  • عن عمران بن الحصين رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، وخلفه رجل يقرأ سورة الأعلى، وعندما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم، سأل من قرأ، فقال رجل: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لقد ظننت أن بعضكم خالجنيها”.
  • عن جابر بن عبد الله: أن معاذ بن جبل صلى العشاء لأصحابه، وطول في الصلاة، فانصرف رجل منهم، فأخبره معاذ بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أتريد أن تكون فتانًا يا معاذ؟ إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، واقرأ بسم ربك، والليل إذا يغشى”.
  • سورة الأعلى تعتبر من سور التسبيح، فقد روي عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ المسبحات، ويقول: “فيها آية خير من ألف آية”.

    سبب نزول سورة الأعلى

    لم ترد أحاديث صحيحة صريحة تحدث عن سبب نزول سورة الأعلى، والأحاديث المذكورة في هذا السياق تتراوح بين الضعيفة والموضوعة. بعض الكتب التي تتناول أسباب النزول والتعليق عليها لم تذكر أي أسباب نزول لسورة الأعلى، ومن بين هذه الكتب: “الصحيح المسند من أسباب النزول” لمقبل الوادعي وكتاب “المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة” لخالد المزيني.

    ومع ذلك، هناك كتاب أورد حديثاً صحيحاً تحت باب أسباب نزول سورة الأعلى، وهو كتاب “الاستيعاب في بيان الأسباب” لسليم الهلالي، حيث جاء في الحديث: “كان أوَّلُ من قدِم علينا من أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مصعبَ بنَ عُمَيرِ وابنَ أمِّ مكتومٍ ثمَّ قدِم علينا عمَّارٌ وسعدٌ وبلالٌ ثمَّ قدِم علينا عثمانُ في عشرين ثمَّ قدِم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فما رأينا أهلَ المدينةِ فرِحوا بشيءٍ فرحَهم برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فما قدِم حتَّى نزلتْ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وسورةٌ من المُفصَّلِ”. وقد علق الهلالي على هذا الحديث بأنه صحيح.

    ومع ذلك، يجب ملاحظة أن هذا الحديث لم يأتِ في صحيح البخاري بلفظه الحالي، بل جاء بلفظ آخر. تسمية سورة الأعلى جاءت نتيجة افتتاحها بقوله تعالى: “سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى”، وتسمى أيضاً سورة “سّبِّح” لأنها افتتحت بفعل الأمر “سّبِّح” الذي يعني نزاهة الله عن كل نقص وعيب.